لغتنا العربية: هذه اللغة الهجينة – ترجمة لمقال يناقش أصول لغة الضاد

من يتابع هذه المدونة، بات يعرف أن كتاباتي تتمحور حول موضوع الهوية (وإن لم أكن بخبيرة في هذا الموضوع بل أكتب من عيون شخص حشري يطرح على نفسه هذه الأسئلة بشكل دائم) بناؤها المعقدة والعناصر العدة التي تتداخل وأحياناً تتضارب في هذه العملية.

لللغة تأثير كبير في تكوين الهوية والشخصية. واللغة بدورها وليدة عملية معقدة وتاريخ وجغرافيا ودين (أو لعله العكس) وحروب وتعايش وتزاوج وتكنولوجيا.

لعل أكثر مثال يتم تداوله في هذا الإطار، هو الأثر البارز والحضور الطاغي للغتنا العربية في اللغة الإسبانية. ولكن السواحيلية قريبة بشكل مخيف الى اللغة العربية. حدّث ولا حرج عن المالطية.

ولغة الضاد، ليست أبداً بعذراء، فالفصحى لوحدها تتضمن العديد من الكلمات والعبارات ذات الأصول التركية والفارسية وغيرها. فحتى شكل الأرقام التي نستخدمها في عملياتنا الحسابية اليومية، أصلها هندي.

هذا ولم نتطرّق بعد إلى اللهجات، فأهل المغرب حديثهم منقح بنفحة أمازيغية واللبنانيون يمزجون العربية والفرنسية والإنكليزية في جملة واحدة وهلمّ جرا.

لغة الضاد، لغتنا العربية، هذه اللغة الهجينة - الصورة لصاحبة هذه التدوينة في محاولة منها للكتابة بخط العربي

لغة الضاد، لغتنا العربية، هذه اللغة الهجينة – الصورة لصاحبة هذه التدوينة في محاولة منها للكتابة بخط العربي

والتأصيل أو التأثيل أو ما هو معروف بالإتيمولويجيا، علمٌ فريدُ من نوعه يفتح أبواباً لا نهاية لها ورحلات ذهنية وتاريخية مدهشة.

قرأت من مدة مقالاً  بعنوان A Treasure trove of Arabic Terms أي ما معناه  “كنز دفين من المصطلحات أو المفردات العربية”  للصحفية ماري كيلداهل، تتناول فيه قضية أصول اللغة العربية.  المقال نششر للمرة الأولى على موقع جامعة أوسلو النروجية ويستقي مواده من أبحاث وآراء و أعمال البروفسور شتيفان غوث حول هذه المسألة.  عملت في هذه التدوينة على ترجمته برمته (بعد أن تأكدت من أن الموقع يسمح بتحرير وإعادة التصرّف)، كما سأعمد إلى إيراد بعض المواقع والمصادر الإضافية التي من شأنها الإضاءة على هذه المسألة.

أبدأ بمقال الدايلي ساينس وفحواه ما يلي :

كنز دفين من المصطلحات أو المفردات العربية

“هل مصطلحي كحول وكحل مرتبطين؟ نعم، إن قمنا بتتع أصولها. قاعدة بيانات إتيمولوجية لمصطلحات اللغة العربية، الأولى من نوعها، من شأنها تفتيح عيوننا وتعميق المعرفة فيما يتعلّق بالهوية العربية والتاريخ الثقافي.

إن اللغة العربية، من أكثر اللغات تحدثا شيوعاً وأوسعها شيوعاً في العالم لجهة عدد ناطقيها الأصليين والذين يترواح عددهم ما بين 250 و300 مليون شخص. مع ذلك، لا نزال نفتقد ونفتقر لغاية الآن الى “معجم عربي تأثيلي”. بيد أن هذه العملية باتت وشيكة، فشتيفان غروث، أستاذ اللغة العربية في جامعة أوسلو، قد أخذ المبادرة للشروع في هذا المشروع البحثي.

في هذا الإطار يشرح البروفسور “هناك العديد من الأبحاث الإتيمولوجية، ولكن لم يتمّ جمعها أو توحيدها في أي مكان”.

القضية تقضي  بإنشاء قاعدة بيانات إلكترونية تحت عنوان EtymArab. سيستند الموقع في مرحلةٍ أولية على كلمات ومفاهيم مستقاة من اللغة العربية الفصحى دون سواها. غير أنه جرى اختيار هذه المفردات لتسليط الضوء على الجذور (الأصول) والمفاهيم التي تعتلي أهمية خاصة في التاريخ الفكري والثقافي العربي، بدأً من الأزمنة القديمة وصولاً الى أيامنا هذه. 

يقول غوث “يساعدنا تاريخ لغتهم على فهم من هم العرب ومن كانوا” ويشير إلى أنّ قاعدة البيانات هذه ستعرض الروايات أو الأحداث التي تبرز عندما يتمّ العودة بكلمة في الزمن أو التبحّر في أصولها وجذورها. بالتالي فإنّ EtymArab لسوف يمثّل أكثر من مجرّد معجم أو قاموس تأثيلي تقليدي. 

كلمات تفتح أبواب التاريخ

“الكحول” كلمة لن تجدونها في القواميس العربية الكلاسيكية. ولكنها في نهاية المطاف، كلمة ذات أصول عربية، مشتقة من مصطلح عربي آخر وهو “الكحل”. عندما تعرّف الأوروبيون على هذه المادة أيام الأندلس، والذي كان آنذاك يستخدم كذلك الأمر لأغراض طبية، إشاروا إليه ” alcohol” ليشملوا به تدريجياً سائر المساحيق الدقيقة والناعمة  فيعمموه فيما بعد على جميع المواد أو العطور المتطايرة. في اللغة القطلونية، ما زال يشار الى الحكل بalcofoll. 

ويعقّب غوث شارحاً “عادت الكلمة فيما بعد الى العرب تحمل معنى روح النبيذ أو مشروبات روحية وعرفت تحت إسم “الكحول” “.

“في أيامنا هذه، بحن أمام مصطلحين في اللغة العربية. أحدهما كان أصل هذا التطور أي “الكحل” في إشارة الى المادة الأولية و الكلمة المستعارة “الكحول” والتي تدل على الخمرة.”

ويلفت البروفسور “عندما يصار الى فتح كلمة، يتمّ كسر أقفال عدة أبواب مؤدية الى التاريخ”. فالكحل سلعة كان استخدامها شائعاً في الشرق وعلى الأرجح  أنها كانت رائجة  حتى أيام حضارتي مصر القديمة وبلاد الرافدين.

كلّ مرة أعود فيها إلى جذور أو أصول كلمة ما، أكتشف فروقات جديدة و روايات جديدة” يقول الأستاذ.

الخطوة الأولى: نموذج أولي من ألف كلمة

أبصر المشروع البحثي النور عام 2012 وهو يستند على العديد من الدراسات التي أجريت لغاية الآن في الغرب وفي الدول العربي.

يقول غوث “ينتظرنا كمٌّ كبير من العمل الشامل. عن نفسي لا أتوقع أن أكون شاهداً على انتهاء قاعدة البيانات”.

تتمثل أو تكمن الخطوة الأولى في نموذج يغطي ما يقارب ال1000 كلمة ومفهوم.

“يستدعي كلّ شيء بالطبع الى ضمان الجودة وهو التحدّي الأكبر. إننا بحاجة لكمّ من خبرات علوم ومجالات آخرى كي نتوصّل إلى تفسير وتحليل نتائجنا ومستخلصاتنا بشكلٍ صحيح. وعلى سبيل المثال الفلسفة واللاهوت والطبّ علاوةً على أبرز علم فقه اللغات في الشرق القديم وخاصة تلك السامية منها  كالأكدية والآرامية والعبرية والإثيوبية والعربية الجنوبية القديمة (الصهيدية) إضافة إلى جميع مراحل الفارسية. نودّ لو ننجح تدريجياً في أن نفتح قاعدة البيانات هذه الى العالم أجمع غلى غرار نظام أو نموذج ويكيبيديا.

التأثيل مسألة حساسة 

“لما المشروع أوروبي وليس مبادرة عربية ؟”

يعزو غوث (الذي سبق وقطن في عواصم عربية كالقاهرة وبيروت) السبب في “تخلّف العرب عن إصدار قاموس تأثيلي الى المكانة المقدسة التي يخصّون بها أو يرفعون إليها اللغة العربية. لذلك فإن مقاربة تاريخية كالنهج المعتمد من قبلنا لأكثر شيوعاً في التقليد الأوروبي منه لدى العرب”

ويضيف في هذا السياق ” يغلب التردد لدى العرب فيما يتعلّق بالتعاون والغرب على مشاريع تمسّ أو تطال الهوية العربية والمسلم. التأثيل شأنه شأن علم الآثار قد يشكل قضية على درجة عالية من الحساسية والدقة. بيد أن الأمور لم تكن دوماً على هذه الحال، إذ أنه لغاية منتصف القرن العشرين كان التعاون  بين الطرفين يتّسم بقدر أكبر من المرونة . تعقدت الأمور فيما بعد، مع تأسيس دولة إسرائيل ومأساة اللجوء الفلسطيني وغيرها من التجارب الأليمة كاجتياح لبنان عام 1982 وحربي الخليج”.

ولكن الأكاديمي يلحظ أن المواقف إزاء الغرب شهدت تغييراً ولو طفيفاً خلال السنوات الأخيرة.

“إننا اليوم على تواصل مع علماء من قطر. كما أن هناك مجموعة من الباحثين العرب عكفت على مشروع واعد، قاموس عن تاريخ اللغة العربية.”

حتى القرآن مليء بالإستعارات

يقول البروفسور غوث “يزعم العديد من العرب أن اللغة العربية هي أساساً لغة نقية.”

كنتيجة للحركة القومية المناهضة للإستعمار، نشأ في العالم العربي عدد من المدارس المتشددة التى تسعى سعياً حثيثاً للحفاظ على “نقاوة” لغة الضاد.”

غير أن الأبحاث الإتيمولوجية أظهرت أنه لطالما كانت اللغة العربية كناية عن “كوكتيلاً” أو خليطاً لغوياً”.

ولكن ينبّه غوث ” ولكن العربية  أيضاً لغة محافظة. إذ يصار إلى تعريب الكلمات المستعارة”. ويستعين البروفسور بكلمة “قطار” كمثال ليدعّم به حجته.

“باتت القطارات مألوفة من قبل العرب في القرن التاسع عشر. ولكن عوضاَ عن اعتماد على غرار الأتراك، الكلمة الفرنسية أو الإنكليزية‘train’ للإشارة إلي وسيلة النقل هذه، فضلوا عليها كلمة “قطار” وهي مشتقة من العربية القديمة لوصف قطار أو ما معناه قافلة جمال.”

لطلما تأثرت العربية على مرّ العصور والحقبات التاريخية، بلغات أخرى.

“مع أن أغلب المفردات العربية تبدو “عربية محضة”، إلّا أن العديد منها كلمات مستعارة، مما يشير إلى أنه لطالما كان هناك اتصال وتواصل وثيق بين الثقافات. حتى القرآن الكريم تعمّه الألفاظ الدخيلة أو الكلمات المستعارة، تعود أصول معظمها إلى السريانية والآرامية، فالعبرية. إن ذلك لنتيجة لحضور المجموعات المسيحية واليهودية في شبه الجزيرة العربية آنذاك.

إستحالة الفقه الإسلامي دون الهيلينية 

“قد  كاد يكون الفقه الإسلامي وغيره من العلوم مغايراً تماماً عما هو عليه اليوم، ولعلّه معدوم الوجود اصلاً لولا أن العرب قاموا باحتواء الإرث الهيليني أو اليونانية القديمة في حضارتهم”: يلفت غوث.

“إن الثقافة السائدة البلاطات الملكية العربية أثناء “العصر الذهبي” لهي بشكلٍ كبير ذاتها ثقافة البلاطات الملكية الفارسية.”

“إن ثقافة وتاريخ العرب مخبأين في كلماتهم.”

هنا تكمن أهمية هذا المشروع البحثي. من هنا تبرز ضرورة تشييد قاموس تأثيلي كهذا الذي نحن في طور وضعه وإعداده. إذ قد يجيب على أسئلة ك: من هم العرب اليوم ؟ من كان العرب قبل الإسلام؟

وهذا هو الرابط الأصلي للمقال:

http://www.hf.uio.no/ikos/english/research/news-and-events/news/2014/a-treasure-trove-of-arabic-terms.html

وأنتم ما رأيكم أتوافقون الأستاذ وفحوى المقال؟ هل لغتنا فعلاً هجينة ؟

في نهاية هذه التدوينة ، أدرج بعض الروابط والمراجع الأخرى لمن يرغب في أن يروي ظمأه حول هذا الموضوع أو في أن يتعرّف على بعض الكلمات العربية ذات الأصول الأجنبية:

One thought on “لغتنا العربية: هذه اللغة الهجينة – ترجمة لمقال يناقش أصول لغة الضاد

  1. كل لغات العالم هجينه، وكل الثقافات، كل الشعوب تنقل من بعضها وتتطور ممن قبلها. كل اللغات تحتوي على كلمات من لغات اخرى. نحن بشر نتأثر ببعضنا، اللغه من مقومات الثقافه البشريه، والاخيره لا توجد من فراغ بل تتطور من تأثيرات تاريخيه سابقه.

    مع الشكر لمقالك الجميل

Leave a Reply

Your email address will not be published.