عن مصطلح “Nigga” أو زنجي، هذه العبارة الهجينة، وعن الغوض في ثنايا الهوية الأميركية

تخصص صحيفة واشنطن بوست الأميركية، ملفاً خاصاً عن كلمة “Nigga” وهي مختصر “Niggar” أو زنجي.

هذه التغطية الخاصة تحمل عنوان “the n-word”  أو “هذه الكلمة بحرف النون” و هو عنوان مبهم إنمّا يعبّر تمام التعبير عن واقع هذا المصطلح، الحاضر بقوة في المشهد الإجتماعي الأميركي والغائب في الوقت عينه، لكونه يمثل ما يعرف ب “تابو” أو من “المحرّمات” “ما هو محرّم ذكره”، فهو من جهة  تعبير محبب شائع جداً بين السود الأميركيين بين بعضهم البعض للدعابة ولكنه من جهة أخرى، إن صدر عن الآخرين، فهو غالباً ما يتعتر مهيناً وعنصرياً. ذلك يذكر بأيام العبودية التي قاساها السود في الولايات المتحدة طيلة عقود لا بل قرون مضت وكان أوجها حربُ أهلية دامية إستمرت قرابة الخمس سنوات (من 1861 لغاية 1865) وتبعها حركات تحريرية لأبناء أميركا هؤلاء المشار إليهم بالعبيد، كان رأس حربتها مارتن لوثر كينغ و مالكوم إكس وغيرهم وكان من المفروض أن تخمد نيرانها مع أنتخاب أول رئيس أميركي أسود: باراك أوباما.

النصب التذكاري لأبراهام لينكولن، أب معركة إنعتاق السود في الولايات المتحدة. الصورة من فليكر لصاحبها جون هاسلام، منشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي

النصب التذكاري لأبراهام لينكولن، أب معركة إنعتاق السود في الولايات المتحدة. الصورة من فليكر لصاحبها جون هاسلام، منشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي

ولعلّ أحد أيرز مبادرة الواشطن بوست الى طرح  مصطلح Nigga على طاولة النقاش، يعود لأحداث فيرغسون، هذه المدينة الأميركية الواقعة في ولاية ميسوري والتي اندلعت شرارتها أوخر هذا الصيف، صيف ال 2014.  هذا الصيف، قضى مايكل براون، ذات ال18 ربيعاً  وهو شاب أسود، على أيدي شرطي أبيض، جراء خلاف ظاهرياً سخيف (استخدام الرصيف عوضاً عن السير في وسط الشارع). ولكن ما  ساهم في إشعال الفتيل وامتداده إلى عدة مناطق في البلاد، تمثل في عدم توجيه الإتهام للجاني. تلتها عدة أحداث مشابهة ذهب ضحيتها سود أميركيين ومرتكبيها من رجال الشرطة البيض وتخاذل السلطات القضائية والشرطة في اتخاذ الإجراءات بحق الجناة. مما دفع بالناس وحتى المجتمع الدولي إلى التساؤل حول إذا ما كان فعلاً جرى تحرير الولايات المتحدة من العبودية ؟

من الشعارات التي رفعها المحتجون على مقتل الشاب براون في فيرغسون و تقول "اغتيلوا من قبل الشرطة". الصورة من فليكر لراديو الشباب أو Youth Radioمنشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي

من الشعارات التي رفعها المحتجون على مقتل الشاب براون في فيرغسون و تقول “اغتيلوا من قبل الشرطة”. الصورة من فليكر لراديو الشباب أو Youth Radioمنشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي

"لا تطلق النار، فالسود بشر أيضاً"، شعار آخر حمله المحتجون في فيرغسون. الصورة كسالفتها لراديو الشباب مأخوذة من فليكر ومنشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي.

“لا تطلق النار، فالسود بشر أيضاً”، شعار آخر حمله المحتجون في فيرغسون. الصورة كسالفتها لراديو الشباب مأخوذة من فليكر ومنشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي.

إذاً وبالعودة إلى موضوع هذه التدوينة، فإن مشروع  the n-word”، يصبّ في هذا الإطار. فالقضية تتعدّى الإزدواجية حول أسود وأبيض وتمس الهوية الأميركية في صميمها من جهة تكوينها وتناغمها وتماسكها. هل من صفات معينة تجتمع في كلّ أميركي على اختلاف لونه وعرقه وحتى معتقده الديني والسياسي ولم لا وضعه الإجتماعي والإقتصادي ؟

نقرأ في مقدمة القسم الذي كرسّته الواشطن بوست على موقعا لمشروع the n-word”:

THE N-WORD MAY BE THE MOST divisive word in the English language, and its spread in popular culture has been the subject of renewed academic focus in recent years. After the National Football League made the controversial decision to ban it on the field this year, a team of Washington Post journalists explored the history of the word, its evolution and its place in American vernacular today.

لعلّ “هذه الكلمة بحرف النون” أكثر مصطلح خلافي في اللغة الإنكليزية ولقد مثل رواجه في الثقافة الشعبية، محطّ اهتمام أكاديمي متجدد خلال السنوات الأخيرة. بفعد قرار الإتحاد الوطني لكرة القدم بحظر استخدامه في الملاعب هذا العام، قام قريق من صحافيي الواشنطن بوست بالغوص في تاريخ هذا التعبير وفي تطوره  وموقعه أو مكانته في العامية الأميركية اليوم.

الموقع تفاعلي ولا بقتصر على النصوص ا فحسب لا بل فيديوهات وصور مختلفة المقاربة والتصوّر والزاوية كما يتيح أمام متصفحه إمكانية تركيب شريط مصوّر من مختلف بحسب ما قد يختاره من مواضيع أو مقاربات، من كثافة استخدام هذه الكلمة في موسيقى الراب أو عدم جدوى تحريم استخدامها أو حتى وجوب معاقبة مستخدمها ووجود قضايا أهمّ من هذا المسألة و غيرها ،،،،

كما بعرض الموقع على زواره فرصة طرح الأسئلة بهذا الخصوص أو حتى الإجابة على الأسئلة الواردة من قبل زوار آخرين سواء عن طريق الكتابة أم عن طريق نشر صور ذات صلة.

 

ولكن ما الذي يدفعني أنا اللبنانية، المشرفية، العربية  الهوية وإن لست متأكدة إن كنت عربية الهوى، المارونية الى الإهتمام بقضية تخص الأميركيين ؟ لعلّه أنني أرى، أنه رغم كل الإختلافات الظاهرية التي تفرقنا، فلكلّ مجتمع مهما اتسّم بالإنفتاح والتطور، محرّماته.  وهذه التابوهات، تلعب دوراً محورياً في تكوين هويتنا وشذبها، فتؤثر على الوعي واللاوعي لدينا وانصهار وطن أوعدمه وتهميش فريق وغيرها.

واللغة  العربية وخاصة العامية منها تعجّ بكلمات أو بإيحاءات لمصطلحات محرّمة لأسباب عدة “كذاك المرض” في إشارة الى السرطان أو “هيدا يلي ما بيتسمّى” إن أردنا الحديث  باللبنانية عن شخص لا نطيقه ، أما “هونيك شغلة” فلها ألف معني ومعنى من إيحاءات جنسية، إلى عمل سري، أو خاطئ ،،، وعن الأرواح والشياطين نقول “الآخرين” أو “سكان العالم  الآخر” خوفاً من استحضارهم ،،، وكلّ ذلك وإن دل على شيء، فهو على هويتنا وشخصيتنا (وأنا أدرك تمام الإدراك أنني أمزج بين المفهومين خطأً بنظر الكثير ولكنني أتعمد القيام بذلك لكوني أرى ترابطاً شديداً بين الإثنين).

 

هذه الشخصية والهوية في تطور وتحول مستمرين وبالتالي فإن عملية بحثنا عن ذاتنا أبدية، لا نهاية لها.

هذه الشخصية والهوية التي مهما رغبنا في تبسيطها وتدجينها، تبقى هجينة.

تاليا،

بيروت في 16 كانون الأول 2014

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published.