هجينة كغيري من أبناء بلدي

بيروت في 9 أب 2014 – إحترت كثيراً قبل الشروع في أول تدوينة لي. وشيئاً بعد شيء بدأ تأنيب الضمير والشعور بالذنب يحفر طريقه. أنا على الأرجح آخر المدونين افتتاحاً لمدونته وأقلّهم همةً.

ولكن ما عساي أقول ؟ عما عساي أخبر قرائي المستقبليين ؟ ما الذي سيميّز هذه المدونة التي عنونتها “أمسيات متسكعة”؟ أستكون مدونة عامة أم متخصصة في السياسة ؟ في الفن ؟ في الإجتماع؟ في الموضة ؟

في نهاية المطاف أرتأيت أن أفعل كما عهدت دوماً،

أن أدع الطريق ترسم نفسها وتقودني الى حيثما تريد.

وهكذا وبعد طول عناء قررت أن أعرّفكم عن نفسي: أنا تاليا رحمة حرب

محسوبتكم "تاليا رحمة حرب"

محسوبتكم “تاليا رحمة حرب”

صبية لبنانية تجتمع فيها التناقضات بدءاً من إسمها وصولاً الى الحي الشعبي الذي نشأت فيه ومن ثمّ المدرسة الخاصة الراقية التي تعلّمت فيها

هوية هجينة من الصعب أن يتقبلها المرء في الوهلة الأولى،

فترى هذه الصبية “تاليا” تخوض “حرباً أهلية” ضد ذاتها تماماً كالحرب الأهلية اللبنانية والتي استمرت حوالي الثلاثين عاماً وهو أيضا وتقريباً سنّ محسوبتكم، صاحبة هذه المدوّنة وكاتبة هذه السطور.

وكما الحرب في لبنان انتهت بمصالحة، هكذا نجحت صديقتنا في التصالح مع نفسها.

الندوب ما زالت كثيرة، والجراح لم تندمل بعد والطريق ما زال طويلا.

هذه الحكاية ليست حكايتي وحدي بل حكاية (إعذروني إن سمحت لنفسي بالتعميم) كل لبناني أو كل من وطئت قدماه هذه الأرض واستقرّت فيها ،،،

هجناء نحن، أولاد حضارات التقت المساحة هذه وتحاربت فيما بينها ومن ثم تحابت

وكلّ ذلك كي تخلق وطن!

هجينة أنا !

هجينة كسواي من أبناء هذا البلد: لبنان

هجينة أنا أصارع نفسي بتناقضاتها فأعود وأعتذر منها

هجينة أنا، أقف أمام مرآتي فأرى ألف شخص وشخص، ألف حكاية وحكاية، والله أعلم ما الذي يخبؤه لي القدر أو الغيب أو الخالق.

هجينة أنا، حكايتي مفتوحة كهذه المدونة،  أكتبها يوماً بعد يوماً وأملأ صفحاتها بتجاربي كل يوم وكلّ ساعة وكل دقيقة

هجينة أنا وقصتي ألخصها في هذا الفيديو الذي أعددته في إطار ورشة عن “السرد الرقمي” شاركت فيها على هامش “منتدى الإعلام العالمي- Deutsche Welle Global Media Forum 2014″ المنظم من قبل التلفزيون الألماني “دويتشي فيلّه” في بون ه- صيف 2014.

 

 

أما تسكعاتي في بون الألمانية فلها محطتها الخاصة في تدوينة لاحقة.

وههنا الترجمة لفيديو هجينة:

 

“عندما خلق الله الكون، فرّق بين الأشياء عوض أن يجمع بينها

و ها أنذا

من طرف والدي أنا “رحمة”

من طرف والدتي أنا “حرب”

إذاً فإن إسمي الكامل هو “تاليا رحمة حرب”

أيبدو الأمر شبه مستحيل؟ ليس تماما !

ذلك أن أنني أحمل إسم القديسة ريتا بالمعمودية، و ما هي سوى شفيعة القضايا المستعصية والأمور المستحيلة

في بلدي، قد يعجز المرء أحياناً عن التمييز بين صوت المفرقعات النارية أو دوي الرصاص.

هذا هو لبنان بالنسبة لكم !

في عين الرمانة، أي المنطقة التي ترعرعت فيها 

هناك ينسب الناس اندلاع الحرب الأهلية في لبنان في السبعينيات من القرن الماضي

لبنانيين ضد فلسطينيين

فلسطينيين ضد لبنانيين

وفيما بعد لبنانيين فيما بعضهم البعض

ألذلك أي أهمية ؟

فالحرب هي الحرب في نهاية المطاف

ولكن أتعرفون شيئأً؟

اليوم، أعز صديقة لدي فلسطينية

إسمها فردوس وعائلتها سلامة

يا لسخرية القدر أن يدعى شخص هكذا في بلدٍ كفلسطين !

و لكن حكايتي لا تنتهي فصولها هنا،

أتعرفون أين التقيت أنا وفردوس ؟

في بغداد، في العراق في 24 كانون الأول – ديسمبر 2013

ليلة عيد الميلاد،

مناسبة فيها يتوجه الناس الى بعضهم البعض بتمنيات ومعايدات السلام.

أحياناً حتى أنا أضيع في متاهة التناقضات هذه،

و لكن ما ألبث أن أتذكر أنه لدى الإغريقيين،

تاليا هي آلهة الكوميديا،

وأحياناً ما تكون الضحكة أقوى سلاح على الإطلاق

هذا أنا “تاليا رحمة حرب””

6 thoughts on “هجينة كغيري من أبناء بلدي

  1. تعبير سلس عن قضية الهوية والانتماءات تاليا اعجبتنى الزاوية التى تناولت منها هذه القضية الهامة فى هذه المرحلة من تاريخ اوطاننا.

  2. و كأنني أقرأ في قصتي مع بعض التغييرات 🙂 شكرا لكِ على هذه التدوينة الجميلة للغاية. لقد اختصرتِ لنا هوية ممزقة لا تزال تبحث عن نسيان تام لمشاكلها، و اسمحي لي فضلا بأن أخبرك: هناك جراح لن تندمل مهما حاولنا و مهما طال الزمن، للأسف! اعتبريني متابعا وفيا لهذه المدونة، و كسؤال شخصي قليلا: هل كنت من الحاضرين في ملتقى المدونين بعمان؟ لقد شاهدت صور الملتقى و اختلط علي الأمر قليلا.

    • شكراً يا صديقي. وأنا أوافقك الرأي، نعم هناك جراح لن تندمل لا بل تصبح مزمنة وتسري في عروقنا كالدم والماء حتى اذا لم نشعر بها يوماً، نحسه أمراً غريباً. ورداً على سؤالك، نعم كنت في عمان في الملتقى، وإذا رأيت الصور التي كنا نحمل فيها يافطات فأنا من كتب “حبوا بعض !”

      • العفو 🙂 يجب أن نعرف كيف نتعامل مع هذه الجراح التي نملكها كلنا. يجب ان ناخذ منها العبر و في نفس الوقت لا نسمح لها بالسيطرة على حياتنا. نعم لقد رأيتها و أعجبتني العبارة و لعلنا نتشارك نفس الفكرة ” حبوا بعض ” فأنا مؤمن بأن الحب هو السبيل لعيش حياة سعيدة. ربما سنلتقي يوما في أحد الملتقيات رغم أنني ما زلت في بداية تجربة التدوين لكن لنتفاءل خيراً فقد تصنع الأيام مصادفة و نلتقي.

  3. شكراً جزيلاً يا أصدقائي، فتعليقاتكم، تشجعني على المضي قدماً وأتمني لكم التوفيق والوحي لكي تكتبوا وتكتبوا وتكتبوا حتى تهترئ لوحة مفاتيح حواسيبكم !

Leave a Reply to Thalloula Cancel reply

Your email address will not be published.