بيروت في 18 آب 2014 – لطالما فُتنت بنمط حياة الغجر. إذ هم أكثر من تنطبق عليهم المقولة الشهيرة “الوطن مستقرّ الفؤاد” أي Home is where the heart is.
يجوبون أصقاع الأرض، غير عابئين بحدود أو غيرها فالحدود من صنع الإنسان أما الأرض فمن خلق الله!
لطالما حسدتهم بغض النظر عن جميع الإشكالية التي تحيط بقضيتهم وبثقافتهم من تهجير قسري ومن رفضهم بدورهم الإندماج والآخرين.
باختصار، الى فترة قصيرة مضت، كان لبنان ضيّقاً عليّ ولطالما رغبت في أن أفرد جناحي وأحلّق كي أبحثّ عن مرقد فؤادي أو ربّما أعود الى العش الأصلي. إذاً كان عليّ ولأسباب عدة الاكتفاء بالسفر عن طريق الأفلام الوثائقية والروايات وموقع ويكيترافل Wikitravel. إلى حين ضحك الحظ بوجهي وركبت الطائرة لأول مرّة عام 2007. أذكر أنها كانت رحلة عمل إلى الأردن. وبعدها تكرّرت رحلات العمل والرحلات الشخصية.
بالطبع مهما سافرت، يظلّ غير كافياً في نظري. إذ أشعر أني إحدى شخصيات الأساطير القديم، المحكوم علىها بالترحال المستمرّ فتظلّ روحها معلّقة وأبداً لا يستقرّ فؤادها.
المضحك المبكي في الأمر، أنني لطالما امتنعت عن شرب القهوة أو الدخان يوماً وغيرها وحتى الدواء، لخوفي أن أتعلّق بأي شيء، مهما كان تافهاً أو بسيطاً، فأعجز أن أدير ظهري وأمضي. باللبناني المشبرح: ألبط وإمشي ! فإذا بي سجينة ذاتي!
باختصار ومن دون كثرة غلبة، بعد الأردن إذن توالت سفراتي لا ليترك كل بلد زرته أثراً في قلبي وعلى العكس تركت جزء من قلبي في تلك الأماكن.
الآن بتّ أفهم المعنى الحقيقي لمصطلح “شتات”.
في داخاو الألمانية روعني معسكر الإبادة الذي أقامه النازيون في منتصف القرن الماضي.
اكتشفت أنه ليس من ماكدونالد في تونس.
في حياتي كلّها لم أساوم التجار كما ساومتهم في بانكوك ، لأدرك بعدها أن كل هذا الكمّ الهائل من البات (عملة تايلاندا)، لا يتعدّى في الواقع ربع دولار !
توجهّت الى إيران في 14 شباط – فبراير ورغم أنني كنت في رحلة عمل إلأ أنني عشت أروع عيد عشّاق في حياتي، إذ زرت قبر عمر الخيام في مدينة نيسابور .
أما في باريس فصليّت في شارع بيغال في كابيلاّ أو كنيسة صغيرة للقديسة ريتا، التي عوضاً عن كونها شفيعة القضايا المتعصية والأمور المستحيلة، هي أيضاً شفيعة بائعات هوى هذا الشارع !
في مطار بروكسيل خلت نفسي ولوهلة في مطارٍ عربي للعدد الهائل لأهالي الحجاج حاملين صواني التمر لاستقبال من عادوا حاملين البركة.
في روتردام الهولندية، تمخترت بالقباقيب التقليدية.
في دبي تحنّيت !
سافرت إلى بغداد وعلى الرغم من الأوضاع الأمنية ورغم أن الجميع نعتني بالمجنونة.
في عمان تذوقت زيت وزيتون فلسطين وفهمت عندها كيف يحلو لبعض الناس العيش على الخبزة والزيتونة.
في ألمانيا مجددا، إنّما في بون هذه المرة، ضعت في الطريق الى الفندق، ولكن ربّ ضارة نافعة، فقد تمتعت بالشوبينغ وأنا اتستدّل على العنوان.
وتبقى بيروت. وآه منك بيروت !
وفي كلّ محطة من هذه المحطات، أناسٌ جدد وصداقات جديدة وفراق وأملٌ في اللقاء. لقاءات تغيّر مجرى حياتك وتغيّرك.
أحب الأشياء إلي في السفر، أن أهيم في الطرقات لوحدي، لا أعرف أحد ولا أحد يعرفني، بدون ماضي أو مستقبل فقط حاضر. غربة كاملة لو كانت لوقت قصير أو مايسمّى بالفرنسية Dépaysement.
وفي خضمّ كلّ ذلك وبين سفر وسفر، أحاول أن أجد نفسي، فأجد “أنا” غير تلك ال “أنا” التي كانت منذ أجلٍ قصير ! إنها أنا وليست أنا في الوقت عينه والله وحده أعلم ماذا سأكون. تراني كقالب “كاتو الميل فوي”، متعدد الطبقات ولكنه واحد.
أنا بكلّ بساطة هجينة!
استمتعت بقراءة التدوينة فشكرا يا صديقتي! محظوظة أنت، طبعا لا أحسدك ( أصلي أنا لا أحسد الناس لول ) و شخصيا أحب السفر كذلك و أعتبره وسيلة للابتعاد عن ما يؤرقني، منذ بضع أسابيع كنت في تونس و رغم أنها دولة شقيقة و أعرفها لكني شعرت براحة، ربما السبب تغيير الجو و المكان. حتى في مدينتي، أخرج غالبا لأتمشى و أترك القدر يقودني إلى المكان الذي يريد، رغم أن هذا ليس سفرا إلا أنه ترويح عن النفس. أعتبر ان السفر كذلك يعرفنا على الثقافات و يرينا أن الحياة لا تتوقف عند عتبة المنزل أو حدود دولة معينة فالحدود لم يكن لها وجود عند خلق الكون و لذلك من حقنا أن نكتشف البلدان المختلفة لعلنا نشعر بعظمة الإنسانية و عظمة التنوع و قيمة الاختلاف. أفضل ما أحبه في السفر هو التعرف على الناس و مشاهدة المناظر الطبيعية و الآثار لكي أدرك أن جوهر هذه الحياة هو في جمالها. لفتت انتباهي تلك الكلمة بالفرنسية و احببت أن أشاركك إحدى المقولات لأحد الكتاب الكنديين: Le dépaysement est une façon de sortir de soi-même, lorsqu’on y est trop à l’étroit. شكرا مجددا و تقبلي مروري 🙂
صديقي، شكراً لأنك ذكرت هذه العبارة ، فقد دفعتني حشريتي لأتعرّف على صاحبها وأنا الآن بطريقي الى أقرب مكتبة لألتهم كتب جان بارب. شكراً
العفو، و أتمنى أن تكوني قد وجدتي الكتب، أعتقد أن له خمس روايات أو ستة لا أتذكر، أنا أخطط أن أقرأ كتبه لكن بعد الانتهاء من مجموعة الكتب التي امامي هنا في الحاسب و في البيت، سمعت العبارة من أحد أصدقائي المولعين بكتاباته و قد أخبرني انها ممتعة. اتمنى لكي قراءة ممتعة يا صديقتي.
مع الأسف يبدو أن أحداً لم يسمع به، سألت عدة مكتبات متخصصة في الكتب الفرنسية والرد كان مخيباً للآمال. أعتقد أنني سأنزله من الإنترنت
ما اجمل السفر للاستفادة من تجربة الشعوب الجميلة واخذ كل جميل
ولا اروع من السفر في محاولة إكتشاف الذات..
شبيهان نحن صديقتي..!!
السفر في الذات أمتع بكثير إن تمت بوعي وعمق وقد تساعدنا الأسفار في اكتشاف ما لا يمكننا رؤيته فيمن حولنا ولو طلبنا من أمهر أطباء النفس رأيهم عنا.. للسفر فؤائد عديدة وأجلها اكتشاف الذات..