من أحبّ الكتب إلى قلبي ومن أكثرهم ترهيباً لعقلي. كتابٌ حرّمني القراءة لأكثر من سنة في آخر أيام مراهقتي. كتاب أرّق لياليّ. كتابٌ خلته مرآتي لسنينٍ طويلة. كتاب تماهيت مع جميع أبطاله، فسادت علاقة غرام وانتقام بيني وبين الكتاب ذاته وبين هؤلاء الأبطال أيضاً. أنا أتحدث يا أصدقائي عن رائعة مدام بوفاري للكاتب الفرنسي الشهير جوستاف فلوبير.
تحميل الرواية:
خلافاً للعادة، حيث تسرد الروابط المفيدة في نهاية التدوينة، أفضل أن أعرض ههنا الوصلات لتحميل أو لقراءة مدام بوفاري. كي لا يؤثر رأيي على حكمكم الخاص على العمل وكي لا أكون مثل أولئك الذين يفسدون عليكم متعة القراءة أو المشاهدة بإطلاعكم على آحداث وخاصة نهاية القصة أو الفيلم.
لهذا أقترح عليكم تحميل مدام بوفاري على الروابط التالية وبعدها شاركوني في النقاش.
علماً أن العمل الذي صدر منذ أكثر من 150 عاماً (1857)، قد أصبح متاحاً للجميع أي تحت سقف ما يعرف ب “الملكية العامة” أو Public Domain /Domaine Public.
بيني وبين مدام بوفاري وبين موسيو بوفاري أيضاً
ذكرت في مقدمة هذه التدوينة أنني قرأت العمل في اخر سنوات مراهقتي. وأنا حسب مثل مدام بوفاري، مدمنة كتب.
أقرأ منذ نعومة أظافري أو منذ تعلّمت القراءة. أقرأ بنهم. ألتهم الكتب، ألتهم الصحف والمجلات. حتى الوصفات الطبية لم تنجُ مني.
ولكنني أيضاً كشارل. أنا لم أولد وفي فمي ملعقة ذهبية. لم يكن بوسع أهلي أن يأخذوني أيام العطلة إلى باريس وروما ونيويورك… لا بل حتى الى البحر في لبنان ذاته. لا أذكر أنني ارتدت المطاعم في طفولتي أو أنني كنت أتبع آخر صيحات موضة المراهقين وأكسسواراتها. ولكن أهلي أصرّوا أن يسجلوني في مدرسة عريقة، قسطها خيالي. لذلك كما شارل، لم أكن صاحبة أكثر شعبية في الصفّ. لا بل عكس ذلك.
أنا لم يكن تحت يدي سوى الكتب التي كنت استعيرها من مكتبة المدرسة أو كان يعطيني إيها الأقارب والأصدقاء. لذلك كما ايما، كانت هذه الكتب مساحتى الوحيدة في السفر واكتشاف وتجربة كلّ ما كان محرّماً علي في الواقع.
و كنت سعيدة في هذا العالم إلى أن قرأت مدام بوفاري، فخفت. خفت أن يكون مصيري كمصير ايما أو شارل. وامتنعت عن القراءة لأكثر من سنة. أريد أن أعيش الواقع بكلّ ما فيه من حلو ومرّ. وهكذا درست الصحافة، حيث أكتب وأقرأ في الوقت عينه، حيث أسافر بالروح وبالجسد في آن.
والآن بعد حوالي 17 عاماً وبعد أن أصحبت ما أنا عليه اليوم والله أعلم ما سأكون عليه غداً، عزمت على قرأءة مدام بوفاري من جديد. ولكن مهما كان فأنا أدين لجوستاف فلوبير وللسيدة والسيد بوفاري بالكثير. وأنا بقدر ما أقسو عليهما في حكمي بقدر ما أتعاطف معهما.
الإطار العام
إذاً كما قلت ف”مدام بوفاري” رواية للكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير (1821 – 1880). صدر الكتاب عام 1857 وقد تعرّض الكاتب لتهمة الإساءة إلى الأخلاق العامة وخدش الحياء وحتى الدين (نعم لكّل زمن تابوهاته ولكلّ دين محرّماته وما كان مرفوضاً الأمس بات اليوم مقبولاً.
الأحداث (نقلاً عن موقع ” المعرفة ) و (ويكيبيديا):
تتحدث الرواية عن الفتى الريفي شارل بوفاري الذي يدخل المدرسة وهو في سن أكبر من صفه، فيستهزئ به زملائه في الصف . في الجامعة يدرس الطب ويتخرج بعد عثرات، وتزوجه أمه من أرملة ثرية متقدمة في السن ومريضة في الخامسة والأربعين من عمرها. بعد وفاة زوجته، يتعرّف شارل على ايما الصبية الحسناء، خلال معالجته لأبيها المريض. ولما كانت ايما تعيش في المزرعة حياة شبه معزولة أو تحلم بحياة أخرى فيها شيء من التسلية والبعد الاجتماعي، تقبل بسرعة أن تتزوج من شارل ما أن يطلب يدها . ايما التي تعيش في عالم الخيال وتحلم ببطل يشبه أولئك الذي تقرأ عنهم في هذه الروايات أو تعيش حب وشعف لا مثيل لهما. غداة عرسها، تبدأ ايما بالانفتاح على الحياة، ومحاولة الخروج من عالمها المغلق وكذلك إخراج زوجها من عالمه العلمي الجدي. تنظم ايما الحفلات الموسيقية والشعرية، ثم تنجب طفلة… غير أن هذا كله لا يمنع الملل من أن يعود ويتسرب الى داخلها. فتقيم علاقات خارج عش الزوجية. ولكن هذه العلاقات بطبيعة الحال تؤول إلى الفشل و تزيد من إحباط ايما ومن الهوة بينها وبين زوجها شارل. ولا تقتصر الأمور على ذلك، لا بل تؤول الحال بإيما إلى التبذير في المصروف فيفلس زوجها ويغرق آل بوفاري في الديون… وإذ تلجأ لأصدقائها لكي يعينوها ويقفوا الى جانبها، يرفض الجميع ذلك ولا يتوانى كثير منهم عن إهانتها. وهنا لا يعود أمامها إلا الحل الأخير: الانتحار. وهذه المرة تنجح، إذ تسمم نفسها بمادة الآرسينك فتموت. أما شارل فإنه يأخذ ابنتهما ويترك المدينة و من ثم ينتحر بدوره حزنا على زوجته الراحلة، بعد علمه بخياناتها المتكررة وكتشفه لرسائل عاشقيها فيموت وحيداً وتتشرد ابنتهم الصغيرة لتعمل عاملة في مصنع عند خالتها الفقيرة.
ههنا الإعلان الترويجي لأحد الأفلام السينمائية المستوحاة من رواية فلوبير، يحمل نفس العنوان. القيلم من إخراج الأميركي فينسنتي مينيلّي، أُنتج عام 1949 من قبل شركة مترو غولدن ميير:
مدام بوفاري، ما بين الحلم والواقع مساحةـ وجدت نفسي فيها ملاذها. هذه النفس الهجينة.
اشكرك .. سرد رائع .. وتعريف بمطوية ادبية تبعث في النفس رغبة لقرأتها ..