طبقة جديدة تضاف إلى ثنايا شخصيتي الهجينة!
لست أدري إن كانت 5 أيام في مدينة دوالا الكاميرونية في وسط غرب القارة الإفريقية، تكفي كي أقول أن جزءًا مني بات إفريقياً. لكن مما لا شكّ فيه أنّ هذه الزيارة دمغتني أو بالأحرى تركت فيي أثراً من الصعب إزالته.
والأهمّ من ذلك، أنها أيقظت فيي السندباد! فزاد ظمأي!
من زار الكاميرون من قبل، يقول إنّ هذا البلد هو إفريقيا مصغرّة، أو لوحة تجمع الفسيفساء الإفريقية في صورة واحدة لجهة تنوع هذا البلد الجغرافي والمناخي وحتى الديموغرافي والثقافي!
وجهتي الوحيدة كانت دوالا، العاصمة الإقتصادية وعرق البلاد الحيوي. لذلك لا يمكنني أن أحكم!
هوية هجينة
سأكتفي بالقول أن الكاميرون أو بالأحرى دوالا مختلفة تمام الإختلاف عم رأيته واخبرته وعاينته من قبل !
دوالا مختلفة، لا بشكلٍ إيجابي ولا بشكلٍ سلبي! إنها ببساطة مختلفة. وهو ربما أمرٌ إيجابي بحدّ ذاته. حاولت أن أرى دوالا بعيون طفل يشاهد الأمور للمرّة الأولى! حاولت أقول!
دوالا مدينة ملوّنة، تنبض بالحياة، بزعيق السيارات والمارة !
دوالا مدينة تجتمع فيها كلّ التناقضات! فتخلق لوحة هجينة تشبه كل شيء ولا تشبه شيء!
دوالا مدينة بإمكانك أن تأكل فيها بأقلّ من دولار واحد للوجبة الواحدة، كما بوسع فاتورتك أن تتخطى المئة دولار للشخص الواحد!
في دوالا تأكل بأصابعك وبعينيك وبلسانك وبأنفك!
في دوالا أسواق تفترش الطريق وأخرى محاطة بأسوار وجدران!
في دوالا يخبرك السكان عن أهلهم في القرى وعن الروابط الأسرية المتينة!
أخبرني طبيب فرنسي يعمل في دوالا كيف أن عمله أشبه بالأنتربولوجيا وأنه اكتشف أن علاقة الشعوب بالمرض تختلف بشكلٍ شاسع عن بعضها البعض. الأمر عينه ينطبق على نظرتهم إلى العلاج، فالحياة والموت والطقوس الممارسة في هذه المناسبات.
مدينة الأسوار النفسية
عتبي الوحيد عليكي يا دوالا (ولعلّ ذلك ينطبق على الكاميرون عامةً رغم كرهي للتعميم)، أنك أخفقت في توحيد أبنائك!
فالبيض لا يختلطون بالسود والعكس صحيح! للسود مطاعمهم وأسواقهم وشوارعهم وللبيض كذلك الأمر، إلاّ في حالات استثنائية قليلة!
من الخطر لأبيض أن يسير في الأسواق الشعبية المخصصة للسود. قد يسمع أسود يرافق أبيض شتيمة تعيّره بالخائن، لمصاحبته أبيض. ومن الطرف الثاني، قد ينظر إلى أسود يدخل مطعماً للبيض، بعين الريبة!
عتبي على الكاميرون أن هناك بيض (وما أكره هذه العبارة) ولدوا ونشأوا في هذا البلد ولم يعرفوا سواه بلداً ومع ذلك فهم لا يملكون الجنسية الكاميرونية، بغض النظر إن كان الجواز الكاميروني ذات نفوذ أم لا!
عتبي على هؤلاء أيضاً أنهم رغم أن أجدادهم قصدوا هذه البلاد منذ قرون، وتنعموا بخيراته، ما زالوا لا يرون في فسهم كاميرونيين ويرفضون أن ينعتوا على أنهم كذلك.
وما العتب إلا على قدر المحبة! أغادر دوالا والكاميرون وهي أول دولة إفريقية لي، إذا ما استثنينا تونس المحسوبة على الشرق الأوسط الى حدٍّ ما. أغادر الكاميرون على أمل العودة مجدداً. أغادر الكاميرون وأنا أفكر، أنه لم يعد ينقصني سوى زيارة الأميركيتين، كي أتمكن من القول عن حقٍّ وحقيقة أنني أحمل العالم كله في قلبي وأن فيي جزءٌ من كل العالم، وأن في كلّ العالم، جزءٌ مني!
ملاحظة: جميع هذه الصور أخدت بعدستي وتعود لي